كان وزراء من الأردن وقطر من بين أولى الشخصيات الديبلوماسية العربية رفيعة المستوى الذين التقوا بقائد التحالف المتمرّد الذي أطاح النظام السوري، إذ يسعى العالم العربي لإعادة سوريا إلى الحظيرة.
زار كبار الديبلوماسيّين العرب العاصمة السورية، دمشق، يوم الاثنين، في أحدث سلسلة من التحرّكات الديبلوماسية من قِبل المجتمع الدولي، مع خروج سوريا من سنوات العزلة تحت حكم الرئيس بشار الأسد.
تشير زيارات الوزراء من الأردن وقطر، بعد أسبوعَين فقط من سقوط الأسد، إلى أنّ الدول العربية حريصة على تحسين العلاقات مع بلد كان منبوذاً ومصدراً لعدم الاستقرار في المنطقة.
عقد الزعيم الجديد لسوريا، أحمد الشرع، محادثات «موسّعة» مع وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في دمشق يوم الاثنين، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية الأردنية. وبعد ساعات، وصل وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، محمد الخليفي، إلى سوريا، والتقى بقيادتها الجديدة، بحسب وزارة الخارجية القطرية.
كان هؤلاء من أوائل الديبلوماسيّين العرب رفيعي المستوى الذين زاروا سوريا منذ أن أطاح التحالف المتمرّد بقيادة الشرع، الأسد قبل أسبوعَين. وتعهّد كبار الديبلوماسيّين العرب في اجتماع عُقِد في الأردن هذا الشهر بـ»دعم عملية انتقال سلمي» في سوريا.
قطعت معظم الدول العربية العلاقات مع حكومة الأسد بسبب قمعه الوحشي للمتظاهرين المؤيّدين للديموقراطية في 2011 خلال الربيع العربي، ممّا أشعل فتيل حرب أهلية. لكن بعد سنوات من تمويل الميليشيات المناهضة للأسد، تراجعت مواقف العديد من منتقدي الأسد في السنوات الأخيرة، آملة أن تؤدّي زيادة التفاعل إلى تحقيق المزيد من الاستقرار في المنطقة.
في العام الماضي، دعت الحكومة السعودية الأسد إلى قمة جامعة الدول العربية في الرياض، بعد أكثر من عقد من تعليق عضوية سوريا في الجامعة. لكنّ الاستراتيجية لم تُؤتِ ثمارها، بحسب جوليان بارنز-دايسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. واستمرّ الأسد في اتباع أساليبه القمعية. والآن، تتسابق الدول العربية لبدء صفحة جديدة مع القيادة السورية الجديدة.
وأوضح بارنز-دايسي أنّ «الدول العربية ترى فرصاً أكبر الآن ممّا كانت عليه بعد عام من التعامل مع الأسد الذي لم يحقق شيئاً على الإطلاق».
في البداية، كان هناك تخوّف بسبب الروابط السابقة للشرع مع تنظيم القاعدة، الذي يُعدّ عاملاً مزعزعاً للاستقرار في العالم العربي كما هو الحال في الغرب، بحسب بارنز-دايسي. لكنّ تصريحات الشرع المتكرّرة بأنّ حكومته ستكون براغماتية وشاملة وتحترم المجموعات الدينية والعرقية العديدة في البلاد، قوبلت بترحيب واسع. وأضاف: «الدول الإقليمية ستكون سعيدة بالانخراط في ذلك».
ويعكس تدفّق الوفود العربية إمكانية حدوث تحوّل عميق في التحالفات الإقليمية، وفقاً لبول سالم، نائب رئيس الشؤون الدولية في معهد الشرق الأوسط بواشنطن. وعلى رغم من أنّ سوريا، مثل معظم الدول العربية، بلد ذو أغلبية سنّية مسلمة، فقد لعب نظام الأسد دوراً رئيساً في دعم النفوذ الإقليمي لإيران ذات الغالبية الشيعية. وترى الدول العربية فرصة لتغيير الديناميكية.
وأضاف سالم: «حاولت الدول العربية إعادة سوريا إلى الحظيرة العربية على مدى السنوات الـ45 الماضية، منذ الحرب الإيرانية-العراقية. ليس من المفاجئ أن تأخذ قطر زمام المبادرة».
كانت قطر واحدة من الدول العربية القليلة التي رفضت التصالح مع الأسد، فكانت زيارة الخليفي إشارة قوية لدعم الحكومة الجديدة، مؤكّداً في مؤتمر صحافي أنّ «سوريا وشعبها بحاجة إلى الدعم خلال هذه المرحلة الحاسمة».
وأشار الشرع إلى استمرار دعم قطر للشعب السوري طوال الحرب، وشكر قطر على ما وصفه باستعدادها للاستثمار في قطاع الطاقة والموانئ والمطارات في سوريا.
رافق الوفد القطري فريق تقني من الخطوط الجوية القطرية لتقييم مدى جاهزية مطار دمشق الدولي لاستئناف العمليات بعد إغلاقه أثناء الهجوم المتمرّد، وفقاً لوزارة الخارجية.
وأوضح الصفدي، في تصريحات بعد اجتماعه مع الشرع، أنّ هدف الأردن «دعم ومساعدة الشعب السوري»، وأثار قضايا تهمّ بلاده بشكل مباشر، بما في ذلك وجود نحو 620,000 لاجئ سوري، مشدّداً على أنّ عودتهم يجب أن تكون «طوعية وآمنة». وتطرّق إلى قضايا الإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدّرات.
تحدّث وزير خارجية الإمارات، الشيخ عبد الله بن زايد، مع وزير الخارجية السوري المعيّن حديثاً، أسعد حسن الشيباني، مؤكّداً موقف بلاده «الداعم» لمرحلة انتقالية «شاملة وجامعة». لطالما كانت الإمارات متشكّكة في المَيل الإسلامي للحركة المتمرّدة، وكانت أول دولة عربية تعيد العلاقات مع حكومة الأسد في 2018.
يوم الأحد، التقى الشرع بوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، كما التقى بالزعيم الدرزي البارز في لبنان، وليد جنبلاط. وكما هو الحال مع زوّاره، قدّم الممثلون الأتراك واللبنانيّون قائمة احتياجاتهم في إطار عروض الدعم.
تسعى تركيا، التي تستضيف 3,6 ملايين لاجئ سوري، إلى استعادة الاستقرار حتى يعودوا إلى ديارهم. لكنّها تسعى أيضاً إلى بناء سوريا أكثر توافقاً مع مصالحها الإقليمية.
أمّا جنبلاط، بصفته سياسياً لبنانياً وزعيماً للأقلية الدرزية الدينية التي تضمّ حوالى مليون منتشر في سوريا ولبنان وإسرائيل والأردن، فلم يكن يسعى إلى النفوذ بقدر ما كان يسعى إلى الحصول على تطمينات.
إعترف الشرع خلال اجتماعه مع جنبلاط بأنّ سوريا تحت حُكم الأسدَين كانت «مصدر خَوف وقلق» للبنان، فتعهّد بإنهاء «التدخّل السلبي» لبلاده.
وزارت وفود من السعودية دمشق أيضاً يوم الأحد، وفقاً للإعلام السعودي. ويُتوقع أن يتوافد الزوّار في الأيام والأسابيع المقبلة، وفقاً لبارنز-دايسي.
لكنّ سوريا ستحتاج إلى تلك الدول لتقديم موارد حقيقية لتجنّب العودة إلى الصراع، مضيفاً: «الضغوط الاقتصادية وإعادة الإعمار الهائلة هي قضايا رئيسة على الطاولة عندما يتعلّق الأمر بالتحدّيات السياسية في سوريا، لذا دعونا نرى إلى أي مدى ستكون هذه الدول مستعدة بالفعل لتقديم الموارد ورأس المال السياسي».